تخيّل صديقي نفسه يخرج من شارع الإيليزيه، يرافق ساركوزي المرشح لدورة ثانية لرئاسة فرنسا، وخوفاً من تعرضه للرشق بالبيض من (محبيه ومؤيديه) وتلوث ثيابه، تخلّى عنه وابتعد عشرين متراً. 

وانتقلت تخيلاته بسرعة سنة ضوئية إلى مكان إقامته الدائمة في دمشق، وغابت السكرة وجاءت الفكرة، فأخرج من جيب سترته قائمة بأسماء الخضار والمحارم الورقية والسكر والموز وقالب الزبدة وغيرها من المواد التموينية. وعندما رأى أطباق البيض مرتَّبة بعناية في دكان أبي سمير، فوجئ بأن سعر البيضة عشر ليرات. وتطفَّل وسأل البائع عن سر هذا الارتفاع،وانتظر الإجابة، وهو يحدّق بأبي سمير الذي كان يشغل الحاسوب ويقول له: الدولار اليوم يا صديقي بـ 107 ليرات!
 

عاد صديقي إلى البيت منكسراً وهو يتمتم ويضرب كفاً بكفّ حتى احمرَّت كفَّاه وخدَّاه، وكيف يعود إلى أم العيال فارغ اليدين، واضطر أن يكذب عليها ويقول دون أن يتأتئ أو يتلعثم بكلماته ذات النبرة القوية الفاجرة..! وسرعان ما غير الحديث، ونقل إليها ما قرأه في الصحيفة اليومية، بأن ساركوزي الذي لم تسمع زوجته باسمه، قد انخفضت نسبة مؤيديه إلى الحضيض، ولأنها امرأة بسيطة لا تسمع ما يجري في العالم ولا تتابع الفضائيات المعادية والصديقة، تصورت أن الساركوزية أكلة جديدة. وبدأ الزوج يشرح لها ويقول:

إن (السار) يا أم رشدي، أيتها (البعلة) المخلصة لبعلك على مدى ربع قرن، هو نوع من الصلصة التركية التي فقدت بعد قطع العلاقات بين سورية وتركية. و(الكوز) عبارة عن مادة لاصقة للأفكار كيلا تخرج من الذاكرة، وذلك للاحتفاظ بهاكما يحتفظ تجارنا الصغار والكبار المحتكرين بالمواد المصنعة محلياً والمجمَّعة في المستودعات والمخازن، ليجنوا منها الملايين بعد جنون الأسعار وفلتان الأسواق.

وتابع أبو رشدي وهو يشعل السيجارة العشرين، وينفث دخان الحمراء الطويلة ويتأفف، بعد أن دفع ثمن العلبة خمسين ليرة في صباح يوم 11 آذار! وازدادت التجعدات في جبينه وهو يسمع أخبار الفضائية السورية، ويصغي جيداً لاحتجاجات السائقين على سعر ليتر المازوت الذي بلغ 35 ليرة. وانشرحت أسارير وجهه فرشف نصف فنجان الشاي الساخن دفعة واحدة، مطمئناً إلى أن أهل قرية (طيبة) في ريف حماة لا يزالون بخير، وأن أباً شهماً ووطنياً صادقاً، استطاع أن يقنع أبناءه الثلاثة بأن يسلموا أنفسهم للأمن، وخروجهم سالمين والابتسامات تتراكض على وجوههم! وتقف إلى جانبه أم رشدي وتكرر السؤال: هل أحضّر الأكلة الساركوزية يا أبا رشدي لكن دون بيض؟ والشاي، وسأحلَّي لك الشاي لكن بالدبس بدلاً من السكر!

لم يكترث الرجل لخطاب زوجته، وظل يتابع زيارات لافروف إلى العواصم العربية والأجنبية، وخروجه سالماً من الجامعة العربية. وكان الفرح يفيض على محيّاه، وهو يقرأ المبادرة المؤلفة من خمسة بنود، ولم يتحمَّل عقله الفتوى التونسية بعودة الحقوق إلى الرجل في امتلاك جارية إلى جانب زوجته، وغلام أيضاً.. ولم يصدِّق النبأ الجديد الذي ثقب طبلتي أذنيه، بأن 8000 طالبة في جامعة(أبها) في السعودية يتظاهرنَ احتجاجاً على سياسة المملكة(الديمقراطية) ويجرح الأمن نحو 53 طالبة منهنَّ!

استلقى أبو رشدي على سريره، لكنَّ النوم هجر عينيه، وظلَّ يصارع القلق حتى الصباح، ويحلم في اليقظة بأن الليرة السورية ستستعيد روحها، وأن الحكومة ستضرب الاحتكاريين والجشعين والناشطين في السوق السوداء بيد من حديد.. وتذكَّر قولاً لصديقه الذي رحل منذ عقد(عندما يصل ثمن البيضة الواحدة إلى عشر ليرات فستعود يا أبا رشدي إلى الضيعة..!).