عندما اكتشفت سيدة البيت اختفاء الطاسة من بيتها فأنها اول من سألت البنت ومن ثم الابن ان كانوا قد أعاروها لأحد من الأقارب او الجيران وعند الإجابة بالنفي قامت السيدة بسؤال الجيران ان كانوا قد استعاروا طاسة (طنجره) من عندهم وذكرت لهم مواصفات الطاسة المفقوده ولكن آمالها ذهبت أدراج الرياح
وبعد أسابيع وأثناء مرور السيدة بسوق الأواني المستعملة لتجد اكثر من طنجرتها قد بيعت من مطبخها ومعروضة في محل يقع في سوق الأواني المستعملة وعند سؤالها البائع عن مصدر الطاسة او الطنجرة والأغراض تكتشف ان الابن البكر والزوج هم من يقوم ببيع أغراض البيت لشراء المحرمات بذريعة أنهم يريدون نسيان واقعهم المأساوي وهي ذريعة لمن يحاولون الهروب من الواقع والسير في طريق الهاوية لخوفهم من مواجهة الواقع او لعدم رغبتهم في ذلك
ولم يكن من السيدة إلا أن التزمت الصمت لان الخبر وقع على رأسها وقوع الصاعقة وعادت أدراجها وهي تحاول جر رجليها اللتين أصبحتا عاجزتين عن حمل جسدها لان الخبر عمل مثل منفاخ شفط للطاقة من رجليها واسودت الدنيا أمام ناظريها وشعرت بما يشبه الدوار وهي لم تعاني من أي مرض قبل الصدمة ووصلت البيت وارتمت على سريرها لا ترغب في فك عقدة لسانها واختفت الابتسامة عن شفتيها وحل الوجوم والاكتئاب محل المرح على قسمات وجهها ورفضت حتى تناول كأس ماء أو فنجان قهوة وشردت أفكارها بعيداً إلى الماضي البعيد قبل ثلاثة عقود حين اقسم الزوج ان لا يمد يديه ولا شفتيه للمنكر ولكن بعد أن كبر أبناءه وتجاوز عمره الخامسة والخمسين عاما الذي يفترض ان تكون تصرفاته مبنية على الحكمة والتعقل انعكس الأمر واشتاق إلى الماضي وقد تعبت في تنشئة الأبناء وبناء البيت على حساب صحتها وسعادتها ولم يردع فارق العمر بين الأب والابن والعلاقات التي يفترض ان يحكمها الاحترام من اصطحاب الأب لابنه إلى جلسات تناول المشروب
وبعد عودة الأب والابن كانت صريحة معهما وأخبرتهما والإصرار والجدية باديان على وجهها ونبرة القرار الذي لا رجعة عنه أن لم يتراجعا عن حياة الاستهتار فأنها سوف تصطحب ابنتها التي أنهت العقد الثاني من عمرها وتذهب للتسول بعد صلاة الجمعة حتى لا يتمكن الأب وابنه من رفع رأسيهما أمام الناس لأنها تريد اختصار الطريق فالنهاية هي عائلة متسوله وبما ان هذه رغبة من يعتبر نفسه رب البيت ووريثه البكر فلا ضير في أن تختصر الأم الطريق وتوفر على نفسها المزيد من الضغط النفسي والإحباط والقلق لأنه لا يجب ان تقلق على مصير او مشاعر او سمعة من لا يقلق بمصيره ومصير اقرب الناس إليه ولا على مشاعر اقرب الناس إليه ولا على سمعتهم التي هي سمعته ومن المؤسف أن نجد أن هناك من يبيع أكثر من أثاث بيت وأكثر من بيت خاص لتنسحب الأمور إلى البيع والتلاعب بمصير البيوت الكبيرة بأثاثها وسكانها وتاريخها