نظر في المرآة كي يطمئن على هيأته قبل أن يخرج لعمله، قامته طويلة، جسده معتدل و قوي مثل الرياضيين رغم أنه على مشارف الخمسين، شعره يختلط فيه السواد بالبياض بطريقة أنيقة...
بذلته ذات اللون الكـُحلي مع قميصه السماوي و رابطة عنقه الحريرية يختلط فيها اللون الأزرق مع الذهبي غاية في الأناقة، شعر بالرضاء على صورته، ودع زوجته وانصرف إلى عمله، يعلم تماما أن هيئته لها أثر كبير على وظيفته، كي يكون رئيس مجلس إدارة ناجح يجب أن يكون مظهره ناجحا و قويا و مؤثرا، استقل سيارته الفخمة الغالية و انطلق في طريقه في نفس الوقت الذي انطلقت فيه أفكاره، مركزه كرئيس مجلس إدارة الشركة يمثل بالنسبة له أكثر من وظيفة، إنه مظهر للقوة للرجولة و للنجاح، يعتبر نفسه قائدا و ليس رئيس مجلس إدارة فقط، لذلك فمظهره و تصرفاته الشخصية في الشركة يجب أن تدعم هذا المفهوم.
تحولت أفكاره إلى لقاء الأمس مع طبيبه، استرجع ما دار في اللقاء، شكواه للطبيب أن تحكمه في عملية التـَبـَوُل غير كاملة و أنه أحيانا كثيرة يتسرب منه البول رغم إرادته، و أن المشكلة قد زادت في الأيام الأخيرة، نظر له الطبيب و قال له بهدوء:
ـ يتحتم عليك التفكير في ارتداء حفاضة.
كان اللفظ جديد عليه فسأل بشيء من الانزعاج:
ـ أرتدي ماذا؟
ـ حفاضه، "بامبرز"، " لن تمنع تسرب البول و لكنها ستمتصه حتى يمكنك تغييرها، و ستمنع وصول البلل لبنطالك ، الموضوع لا يدعو للانزعاج، أفراد كثير يستخدمونها بالذات في مراحل السن المتقدمة، وهي مفيدة بالذات أثناء وجودك خارج المنزل.
ـ و لكن ماذا عن العلاج؟ ماذا عن أقراص لمنع هذه الظاهرة؟
ـ بسبب الجراحة التي أُجرِيَت لك الأقراص مفعولها محدود، و بالتالي يجب التعايش مع المشكلة عن طريق ارتداء الحفاضة.
لم يرتاح لكلام الطبيب، سيحاول التعامل مع المشكلة عن طريق الإقلال من السوائل التي يشربها و التردد بكثرة على دورة المياه.
دخل مكتبه، باشر مهام عمله بقدرة فائقة، في نهاية اليوم شعر بالفخر و بقدرته على الانجاز، نظر حوله يتأمل حجرة مكتبه الفخمة، أثاثها تقليدي عريق، هناك على يمين المكتب بجوار الحائط خزانة كتب خشبية بابها زجاجي يعكس صورته وهو جالس على مكتبه، هناك مجموعة لوحات على الحوائط تقليدا للوحات عالمية قديمة أهمها و أشهرها لوحة الموناليزا بابتسامتها الغامضة الساحرة تنظر إليه و كأنها معجبة بهيئته و بأدائه. وهو يقود سيارته عائدا لم يستطع التحكم في نفسه فبلل بوله ملابسه الداخلية، دفعه هذا للمرور على صيدلية و شراء لفافة من الحفاضات.
صباح اليوم التالي دخل إلى الحمام و ارتدى الحفاضة، نظر إلى نفسه في المرآة، تبدو هيئته بشعة كأنه رضيع عملاق ذو شارب وسيم و شعر اختلط فيه الأسود بالأبيض بطريقة أنيقة، ارتدى بنطاله و أكمل ارتداء باقي ثيابه، بعد أن انتهى اطمأن إلى أن صورته في المرآة أنيقة رائعة و إن كانت مُزَيـَفة، الحفاضة لا تسبب أي انبعاج في بنطاله و بالتالي سيظل سره محفوظا، ملمسها على جسمه غريب و لكنه بالتأكيد سيعتاد عليه.
دخل مكتبه و بدأ في مباشرة مهامه، نسى موضوع ما يرتدي تحت بنطاله، في احد الاجتماعات انفعل و صاح غاضبا و خبط بقبضته على المائدة، في هذه اللحظة و بينما الحاضرون مضطربون بسبب غضبه تسرب البول منه، شعر به دافئ و نجس و سري، كميته هذه المرة أكثر من المعتاد، سكت فجأة عن الصياح، أنهى الاجتماع قبل موعده و توجه لحجرة مكتبه، على الأقل يضمن الآن أن البلل لن يظهر على بنطال بذلته فشكرا للحفاضة، جلس على مكتبه منفعلا و مضطربا، أفكار كثيرة متضاربة تعصف به، جال ببصره في حجرة مكتبه يحاول أن يستمد بعض الثقة بالنفس من فخامة أثاث الحجرة، نظر إلى صورته تنعكس على الباب الزجاجي لخزانة الكتب الفخمة، مازال يبدو أنيقا و وسيما رغم البلل الداخلي، وقع نظره على لوحة الموناليزا تنظر إليه و على وجهها ابتسامة غامضة ساحرة و ساخرة.