الخلاف في العلاقات الإنسانية أمر وارد وطبيعي , وقد يتعرض له أي منا في أي لحظة , فقد يحدث بين الزوجين , أو بين أفراد الأسرة الواحدة , وكذلك بين الأصدقاء ...... لكن المهم والعبرة في النهاية تكمن بطريقة التعاطي مع هذا الخلاف , ولذلك أكبر الأثر إما في حل هذا الخلاف لا بل والبناء عليه في نمو وتطوير العلاقة بين الأشخاص , أو أن يؤدي إلى تعاظمه و يكون سببا لفقداننا من نحب ...
يلجأ الكثير من الناس إلى العتاب كوسيلة لحل خلاف مع شخص عزيز وذلك من مبدأ أن " العتاب صابون القلوب ولغة متعارف عليها بين الأحباب " ومن منطلق الحرص والحفاظ على العلاقة مع هذا الشخص , وفي النهاية قد ينجح ذلك أو يؤدي للفشل تبعا لطبيعة الأشخاص وثقافتهم ومدى وعيهم ودينهم وأخلاقهم ورحابة صدرهم , كل ذلك يلعب دورا .
ولعظمة النفوس أيضا دور فاعل في حل أي خلاف قد ينشأ بين عزيزين , لكن لا يدرك الكثيرون أن العتاب ( فن ) بحد ذاته له طرقه وأساليبه ويتطلب درجة من المهارة والفطنة والذكاء ...
يقال أن العتاب دليل على المحبة , فلولا محبتنا للشخص لما عاتبناه على سوء فهم أو تصرف بدر منه أو كلمة قالها وهو يعنيها أو لا يعنيها
يقول أحدهم : " تمنيت من أهوى فلما رأيته
ذهلت .. فلم أملك لسانا ولا طرفا
وأطرقت إجلال له ومهابة
وحاولت أن أخفي الذي بي .. فلا يخفى
وقد كان عندي للعتاب دفاتر
فلما التقينا .. ما نطقت ولا حرفا !!!
وعندما نذكر أن العتاب " فن " بحد ذاته فإن ذلك يتطلب منا أن نتقن كيفية ممارسته وإدارته بمهارة من خلال عدة أمور من أهمها أن نقوم بتحديد العتاب , فلا يجب أن يزيد العتاب عن حد معين وأن يتحول الكلام لنوع من التوبيخ , كما لا يجب أن يتم تكرار ما نقوله ولا نلح عليه كثيرا حتى لا يتحول كلامنا لنوع من الهجوم غير المحبب .
أيضا يجب علينا ألا نتهاون في العتاب فبينما لا يجب أن يزيد عتابنا عن حد معين , يلزم أيضا ألا ينقص عن الحد الذي يجعله فعالا , وهنا تكمن المهارة , فالتهاون أحيانا يؤدي إلى استسهال الأمر من قبل الآخر والتمادي في عدم مراعاة ما يضايق أو يزعج الطرف الآخر .
عندما نعاتب لا ينبغي علينا أن نوجه اتهاما مباشرا : فلا يجوز أن نضع الآخر موضع المتهم ونضطره للدفاع عن نفسه بطريقة تبدو وكأنه يبرئ شخصه من تهمة مؤكدة , فذلك يوغر صدره تجاهنا وربما نخسره " جزئيا أو كليا".
عندما نعاتب يجب أن نحدد الأشياء التي تضايقنا وتزعجنا بالطرف الآخر بدقة وأن نضع النقاط على الحروف مع التأكيد أثناء العتاب على حرصنا على العلاقة مع الطرف الآخر وأن عتابنا له هو من باب الحفاظ على الود القديم .
يقول أحدهم " علامة ما بين المحبين في الهوى عتابهم في كل حق وباطل " .
عتاب من نحب يتطلب منا أن نكون مهذبين معه , فلا نجرح في عتابنا , ونتحرى الدقة في ألفاظنا ونبتعد عن الاستفزاز وعن كل ما قد يسيء .
ويتطلب العتاب أيضا الهدوء والابتعاد عن الانفعال والنبرة المرتفعة في الحديث .. علينا أن نتذكر أننا نعاتب لا نتشاجر !!!
- لا تعاتب إلا من يستحق .. وتذكر دائما مقولة الشاعر :
" من عاتب الجهال أتعب نفسه ومن لام من لا يعرف اللوم أفسدا "
- والعتاب يجب أن يكون لأمر يستحق وإلا فقد يفقد قيمته ويكون سببا في نفور من نحب منا .
يقول أحدهم : " إذا كنت في كل الأمور معاتبا صديقك لم تلق الذي لا تعاتبه "
وأخيرا فمن غير الطبيعي أو المنطقي أن نعاتب غيرنا وننسى عيوبنا وأخطاءنا , فخيرنا من عرف أخطاء نفسه وبدء بإصلاحها قبل الالتفات لنواقص الآخرين وعيوبهم فلا يوجد من هو منزه عن الخطأ وتذكر دائما القول :
إذا رمت أن تحيا سليماً من الأذى ودينك موفور وعِرْضُكَ صَيِنّ
لسانك لا تذكر به عورة امرئ فكلك عورات وللناس ألسن
وعيناك إن أبدت إليك معايباً فدعها وقل يا عين للناس أعين
وعاشر بمعروف وسامح من اعتدى ودافع ولكن بالتي هي أحسن
إذا أدركنا ذلك نكون قد سعينا جاهدين للحفاظ على ود من نحب .
أسأل الله العلي القدير أن يديم عليكم الحب والمحبة ... وأن يحبب خلقه فيكم ... فمن أحب الله أحبه كل شيء
دمتم بخير E.N.D