إن تحرير مدينة كبرى في الشمال السوري بفضل الجيش السوري، يعد ضربة موجعة للسياسة التركية حيال الأزمة السورية، إذ قطع الجيش مدّعم بغطاء جوي روسي، آخر طرق الإمداد الرئيسية بين الجماعات المسلحة وتركيا، هذا ما يجعل الحدود السورية التركية على مرمى حجر من القوات السورية المدعومة من قبل الجيش الروسي الذي أبطل مخططات أنقرة وقلب الطاولة على الأتراك من تحقيق مبتغاهم بإنشاء منطقة عازلة في الشمال.
الكل يعلم بأن حلب أصبحت تحت سيطرة الدولة
السورية، فهناك تحليلات سياسية كثيرة تقول إن دلالات الهزائم الأخيرة لتركيا
وشركائها المحليين والإقليميين تدفعها للبحث عن فرص جديدة خاصة بعد النجاح الذي
حققه الجيش السوري وحلفاؤه في السيطرة على مناطق كثيرة من حلب الشرقية، وبعبارة
أخرى، إنّ سياسة تركيا في حلب، التي سهّلت منذ العام 2011 قيام المجموعات الجهاديّة
المتحالفة مع جبهة النّصرة، أصبحت على وشك الإنهيار، إلى جانب من تبقّى من مقاتلي
جبهة النّصرة في حلب.
أمام سلسلة هذه الإنتصارات التي حقّقها الجيش السّوري وحلفاؤه في وجه المجموعات
المسلّحة المدعومة من تركيا وحلفاؤها في حلب ، أُجبِر أردوغان إلى التفاوض مع روسيا
بشأن حلب، من خلال فتح ممر لإجلاء الجماعات المسلحة من الأحياء الباقية تحت سيطرتها،
لذلك من المتوقع أن يجتمع مسئولون أتراك وروس فى تركيا اليوم لتقييم الوضع في حلب،
وفي الوقت نفسه تواصل تركيا جهودها مع أمريكا وكذلك مع إيران والاتحاد الأوروبي
ودول خليجية للمساعدة في إخراج مقاتلي الجماعات المسلحة من حلب.
ومن هنا تأتي زيارة الوفد الروسي اليوم إلى تركيا لتكمل سلسلة من التحركات التي
كانت موسكو مركزاً لها، وقام بها عدد من أصحاب العلاقة بالشأن السوري لذلك فإن
توقيت هذه الزيارة مهم جدا فى ظل هذه الظروف الصعبة التى تمر بها المنطقة حالياً،
ويمكن وضع هذه الزيارة في سياق التعاون والتنسيق والتشاور لبلورة موقف مشترك وواضح
حيال المسألة السورية، فتركيا التي لم تتأخر يوماً عن دعم الجماعات المسلحة، أصبحت
تجد نفسها اليوم أمام واقع مُغاير رسخه الدور الروسي في سورية والمنطقة بأكملها،
فالتدخل العسكري الروسي في سورية بالتنسيق مع ايران، قلب المعادلة في سورية، و
إستطاع الجيش السوري إستعادة وإسترداد المناطق القابعة تحت سيطرة التنظيمات المسلحة
والقوى المتطرفة الأخرى، بالإضافة الى دفع أمريكا وحلفاؤها إلى السعى للتوصل لحل
سلمي للأزمة لأنهم أدركوا بعدم قدرة حلفاؤهم من المسلحين داخل سورية على حسم
المعركة لصالحهم.
في السياق ذاته، إنّ استمرار سياسة التصعيد التركية تجاه سورية، لها مردودات سلبية
على أنقرة، التي تعاني من أزمات متعددة، لذلك يمكن القول إنّ التقارب التركي مع
روسيا، يعكس الرغبة في التوصل الى تفاهمات إقليمية جوهرية، حول القضايا الخلافية
بين البلدين، ولا نستغرب عودة العلاقات التركية – السورية الى مسارها الطبيعي،
فالدلالات والمعطيات تؤكد بأن استمرار الأزمة السورية وصلت لمرحلة تؤثر على أمن
واستقرار تركيا، فمن الخطأ تصور أن بإمكان تركيا أن تنعم بالأمن والإستقرار، فيما
ألسنة النيران تشتعل في سورية، وفي ظلّ هذه التطورات فإنّ الوضع الراهن بسورية
سيجبر تركيا وحلفاؤها للتوصل إلى اتفاق لحلّ الأزمة السورية بأقرب وقت ممكن.
مجملاً...إن التحرك الروسي لحل الأزمة في سورية هام وضروري، وبارقة أمل كبيرة في
الخروج من النفق المظلم والتوصل إلى حل سياسي يعطي الثقة للشعب السوري في الخلاص من
الإرهاب والقضاء عليه، وخطوة مهمة باتجاه فتح الطريق للحوار بين مختلف المكونات
السورية، وإنطلاقاً من ذلك نحن إزاء فترة ترقب وانتظار وتقييم المرحلة التي مضت
وإجراء حسابات لما يمكن ان تقوم به أنقرة في المرحلة المقبلة خاصة ان الطرح الروسي
لحل الملف السوري يدعمه التوافق الإيراني والدول الصديقة المختلفة.