الوقائع:
توغلت قوات إسرائيلية يوم الاثنين الماضي 16/7/2016 داخل الاراضي السورية بعمق
حوالي 400 متر بعد خط وقف إطلاق النار المحدد بموجب اتفاقية 1974، في المكان الذي
كانت تتواجد فيه سابقاً القوات الدولية "اندوف" التابعة للأمم المتحدة، حيث قامت
الجرافات الإسرائيلية بعمليات حفر وجرف لبعض الصخور والأشجار في المنطقة الواقعة
ضمن أراضي بلدة بئر عجم في ريف القنيطرة الاوسط.
وشهدت المنطقة الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة، تشييد سياجٍ شائك، وسط انتشار مكثف
للجنود الإسرائيليين برفقة الجرافات العسكرية. وقد ترافق التحرك الاسرائيلي بتجاهل
تام من قبل التشكيلات المعارضة المسلحة قرب الشريط الحدودي مع الجولان المحتل.
ولا يعد هذا التجاوز الأول من نوعه داخل الاراضي السورية، فقد أقدمت القوات الإسرائيلية في يونيو/حزيران 2015 على اقتحام مخيم الشحار الملاصق للحدود مع الجولان المحتل، وقامت بجرف المخيم وطرد النازحين الهاربين من قصف قوات النظام، التي كانت تستهدف بلدة جباتا الخشب بالمدفعية والبراميل المتفجرة.
وكان الجيش الإسرائيلي قد أقدم في وقت سابق على السيطرة على تلة "النبي يونس" التي
تشرف على بلدتي بريقة وبير عجم في القنيطرة المحاذية للجزء المحتل من الجولان، حيث
قامت مجموعة عسكرية باجتياز الشباك الحدودي بعمق 100 م وتثبيت نقاط عسكرية.
وتعد سيطرة الجيش الإسرائيلي على تلة "النبي يونس" بالغة الخطورة، إذ إن هذه التلة
تقع بالقرب من مخيم "البريقة" الذي يحوي ما يقارب 5 آلاف نازح سوري، مما شكل مخاوف
حقيقية لدى اللاجئين من قيام القوات الإسرائيلية بطردهم من المخيم.
يشار إلى أن الانتهاكات الاسرائيلية بدأت منذ انسحاب قوات الأمم المتحدة من
المنطقة، مطلع العام 2015، حيث كانت تشرف على خط وقف إطلاق النار، مما أتاح للجيش
الإسرائيلي سهولة في التحرك على طول خط الحدود مع الجولان.
ولابد من التنويه الى أن القوات الإسرائيلية قامت في وقت سابق إبان وجود قوات
النظام السوري على الحدود مع إسرائيل ببناء الشريط العازل واحتلال مسافات كبيرة من
الأراضي السورية، وكل ذلك كان على مرأى ومسمع كل من نظام الأسد والأمم المتحدة
اللذين كانا يتواجدان في المحافظة في ذلك الوقت.
أما إعلام النظام السوري فقد أشار إلى التوغل الإسرائيلي داخل الأراضي السورية من
خلال منشور فقط على مواقع التواصل الاجتماعي دون الخوض في تداعياته، فيما غصت
المصادر الإعلامية الموالية بالحديث عن التوغل الإسرائيلي على أن هدفه مساندة من
وصفتهم بـ"التكفيريين ضد نظام المقاومة والممانعة".
أما الائتلاف السوري المعرض فلم يصدر أي بيان او مذكرة
حول هذا الموضوع.
الخلفية القانونية
نص القانون الدولي المتمثل بميثاق الأمم المتحدة وكافة القواعد الدولية والمعاهدات
والاتفاقيات المتعلقة بالنزاعات المسلحة على عدم جواز السيطرة على الأرض أو ضمها أو
تغيير معالمها أو ترحيل سكانها أو استجلاب سكان من دولة الاحتلال ونشرهم في الأراضي
الواقعة تحت الاحتلال أو تغيير معالم الأرض أو تغيير البنية الثقافية أو التاريخية
أو العمرانية أو استغلال الموارد الطبيعية للأرض المحتلة أو إقامة أي منشآت فوقها.
ويعد الجولان أراض سورية محتلة منذ عام 1967، حيث قامت القوات الإسرائيلية صبيحة
الخامس من حزيران/يونيو 1967 باحتلال هضبة الجولان الاستراتيجية بعد أن أخذت الضوء
الأخضر من الولايات المتحدة الأمريكية.
ولقد أصدر مجلس الأمن القرار رقم 242 بتاريخ 22 تشرين الثاني/نوفمبر 1967 أي بعد
مرور أكثر من خمسة شهور على الحرب، وبالتالي فقد أعطى إسرائيل كل الوقت لتثبت
احتلالها. بينما اجتمع مجلس الأمن بعد ست ساعات فقط من احتلال الكويت واعتمد القرار
رقم 660 تحت الفصل السابع مطالبا القوات العراقية بالانسحاب الفوري والشامل وبدون
شروط، أضف الى ذلك الصياغة الغامضة المقصودة في حالة القرار 242، فجاءت النسخة
الإنكليزية بدون أل التعريف عند ذكر الأراضي المحتلة بينما شملت النسخة الفرنسية أل
التعريف.
ثم صدر العديد من القرارات الأممية التي تؤكد ذلك كالقرار الذي صدر عن مجلس الامن
في مسألة قرار إسرائيل يوم 14 ديسمبر/ كانون الأول عام 1981 بفرض قوانينها وسلطاتها
وإدارتها في مرتفعات الجولان، واعتبر ذلك ملغيا وباطلا وبدون فعالية قانونية على
الصعيد الدولي، كما نص على ذلك القرار 497 الذي اعتمد بالإجماع في يوم الضم نفسه.
وقد طالب القرار إسرائيل، القوة المحتلة، بإلغاء قرارها وذكّرها بأن اتفاقية جنيف
الرابعة المعتمدة عام 1949 (التي كانت قد صادقت عليها إسرائيل) ما زالت سارية
المفعول على الأراضي السورية المحتلة من قبل إسرائيل عام 1967. وقد نص القرار في
فقرته الرابعة على دعوة الأمين العام بتقديم تقرير حول تنفيذ القرار خلال أسبوعين
ويقرر في حال عدم امتثال إسرائيل، «يجتمع مجلس الأمن بصورة استثنائية وفي مدة لا
تتجاوز 5 يناير/كانون الثاني عام 1982 للنظر في اتخاذ الإجراءات الملائمة بموجب
ميثاق الأمم المتحدة». ومنذ ذلك الحين لم يجتمع مجلس الامن لاتخاذ تلك الإجراءات
الملائمة.
أيضا يجب التنويه الى أن هناك ما يسمى «اتفاقية فك الاشتباك» الموقعة بين النظام
السوري آنذاك وبين إسرائيل في 31 مايو/أيار من سنة 1974، في جنيف، بعد 7 أشهر من
انتهاء الحرب. وكانت القوات السورية قد حررت قسم من هضبة الجولان في حرب
أكتوبر/تشرين الأول 1973، لكن القوات الإسرائيلية دفعت بكل ما تملكه من قوات جوية
وبرية فأعادت احتلالها من جديد، وأضافت عليها جيبا كبيرا يصل إلى نحو 40 كيلومترا
من دمشق، وراحت تهدد باحتلالها.
وتنص الاتفاقية على انسحاب إسرائيل من ذلك الجيب، وكذلك من مدينة القنيطرة، وأرض
مساحتها 60 كيلومترا مربعا من حولها، وإقامة حزام أمني منزوع السلاح تماما على طول
الحدود، عرضه يبدأ بعشرات قليلة من الأمتار جنوبا، ويتسع ليصبح بعرض 6 كيلومترات في
القنيطرة ثم يصبح عرضه 10 كيلومترات في جبل الشيخ.
وتقرر أن يكون هذا الحزام منزوع السلاح تماما. وتم الاتفاق على منطقتين أخريين
محدودتي السلاح على جانبي الحدود؛ الأولى وعرضها 10 كيلومترات ويسمح فيها لكل طرف
بإدخال 75 دبابة و6000 جندي فقط، والثانية وعرضها أيضا 10 كيلومترات، ويسمح لكل طرف
بأن يدخل فيها 450 دبابة من دون تحديد عدد الجنود. وقد فرضت الاتفاقية على سوريا
ألا تدخل صواريخ «سام» مضادة للطائرات في الأرض السورية بعمق 25 كيلومترا.
وقد تضمنت الاتفاقية بندا شفهيا تعهدت سوريا فيه بأن لا تسمح بالقيام بعمليات
مقاومة من حدودها ضد المناطق التي تسيطر عليها إسرائيل، وقد احترم النظام السوري
هذا التعهد بشكل صارم جدا، حيث لم يسمح بإطلاق رصاصة واحدة باتجاه إسرائيل حتى غدت
الحدود السورية الإسرائيلية اكثر امانا من الحدود السويسرية.
موقف الأمم المتحدة الآن
في السابع عشر من أبريل/نيسان 2016 اجتمعت الوزارة الإسرائيلية في مرتفعات الجولان
لأول مرة ليعلن بعدها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن إسرائيل ستبقى بشكل دائم في
المرتفعات، وأنها لن تتخلى عنها وإلى الأبد. وذهبت به الوقاحة بعيدا ليطالب المجتمع
الدولي بأن يعترف بالأمر الواقع.
وقد تزامن قرار إسرائيل بالبقاء في الجولان إلى الأبد يوم الأحد 17 أبريل/نيسان مع
عقد جلسة في مجلس الأمن حول الشرق الأوسط صباح اليوم التالي. وقد كان من المتوقع أن
يتطرق المجتمعون للقرار الإسرائيلي، لكنهم تجاهلوا تصريح نتنياهو عدا كلمة الأمين
العام التي تضمنت جملة واحدة حول الجولان خلت من أي إدانة، قال فيها «لقد لفت نظري
البيان الذي أدلى به أمس رئيس الوزراء الإسرائيلي حول الجولان. إن هذه مسألة مزمنة
تضع مسؤولية على جميع الأطراف لإيجاد حل لها. وأود أن أذكر إسرائيل بمسؤوليتها في
تنفيذ القرارين 242 و 497».
اذن يتضح مما سبق بأن التوغل الإسرائيلي ينتهك بشكل واضح قواعد القانون الدولي
وخاصة قرارات مجلس الامن وقواعد القانون الدولي الإنساني وخاصة اتفاقية جنيف
الرابعة لعام 1949 التي أصبحت تعد من قواعد القانون الدولي العرفي الملزم لكافة
الدول، أضف الى ذلك أن هذا التوغل ينتهك بنود «اتفاقية فك الاشتباك» الموقعة بين
النظام السوري آنذاك وبين إسرائيل في سنة 1974.
https://www.facebook.com/you.write.syrianews/?fref=ts