سورية سلام ينتظر
الأحياء في أيار 2016
قد يعتقد البعض أن هذا العنوان شكل وهمي إنساني لأمل يحاكي الخيال والأحلام .
فاليأس والإحباط من الأوضاع السائدة على مسرح الميدان السوري قد تفضي لهذا
ورغم قسوة الواقع وصعوبة اقناع هذا البعض بقرب نهاية القصة المأساوية بعناوينها
العريضة ، وبدء مرحلة العد العكسي لانحسار المد الطغياني للدول المتورطة في الصراع
على سورية والذي وصل إلى طريق لا أمل منه بتحطيم انتماءات هذا البلد لحضارة تساوي
إنسانية البشرية ، وقومية تتعالى على الجراح والأحقاد وتضييق الآفاق ، ووطنية ستنتج
أجمل صورة للوحدة الوطنية التي تلفظ كل رموز العنف والكراهية والإرهاب من مدننا
وقرانا وأحيائنا وآثارنا ومساجدنا وكنائسنا ومدارسنا ...
ومن حق السوريين أن يعيدوا النظر في تقييم الحقائق التي حاولت وسائل الإعلام ومنابرها إغفالها وتستمر في تقديم صور مشوهة لخلفيات هذه الأحداث . إن دور العامل الخارجي كان الأساس لما جرى منذ البدايات ، وقد تصدر آلاف الكتب والمجلدات حول هذه الأحداث من قبل المؤرخين والكتاب والباحثين وغيرهم ، ولكن التوصيف العميق لذلك سيرتكز دائماً على هذه الحقائق وفي مقدمتها :
1- أراد المخططون الكبار أن تكون سورية مقبرة لكل المتطرفين والمجرمين وأصحاب
المشاريع التكفيرية والدعوات المتحمسة لما يطلق عليه ( الجهاد المقدس ) الذين أتوا
بهم من كل أصقاع الأرض باتجاه تصادمي واحد ، وبحكم إعدام مسبق لتوفير معركة مع
الارهاب على مساحات واسعة من المعمورة لا يمكن حصرها ومعرفة كلفتها على المصالح
الدولية الاقتصادية والصناعية والمالية والعسكرية والأمنية. فكانت الأرض السورية
حضارة وتاريخاً ومهداً لإرادة إيمانية تجسد أعمق قيم الحق والأصالة والدفاع عن
الوجود بكل أشكاله التراثية والروحية والإبداعية مركزاً لمعركة دموية تؤسس لمنافع
متعددة في مقدمتها تثبيت أركان الكيان العنصري البغيض على الأرض الفلسطينية وإعطائه
دوراً قيادياً في خارطة الشرق الأوسط الجديد بمساعدة عربية مؤثرة شكلت حصان طروادة
في مسلسل الخيانات المستترة والعلنية لمصير الوطن العربي المفترض توحيده .
إضافة لتدمير مقدرات بلد شكل نقطة الانطلاق
لكل الثورات العربية التحررية ضد الاستعمار وقوى الهيمنة والتآمر على النسيج
الاجتماعي النموذجي الفريد في حضاريته وقوة تجانسه الإنساني على مدى التاريخ . لقد
ساهموا عبر عشرات السنين في صنع هذا الارهاب وتنظيمه في أطر أصبحت وسيلة ناجعة
لتهديد الدول المستضعفة التي تخرج عن الطاعة وجزءاً هاماً من أدوات تسوية النزاعات
الدولية ، ورغم تشويه مفردة الجهاد من صفحات قاموس لغتنا العربية والتي تعني بذل
جهد يتوافق مع مسؤوليات الأفراد تجاه عائلاتهم ومجتمعهم وليس بالضرورة تعكس هوية
هذا التيار أو ذاك وإلباسها مظلة دينية تُقصي وتُشتت وتشوه حقيقة القيم الكونية
التي تعلي من شأن الرحمة والتسامح هي محاولات لا تخدم حقيقة الانسان المنتمي لأقدم
حضارات الكون ، فالدعوة للسكينة والطمأنينة الروحية والسلام جهاد ، والعمل من أجل
التآخي بين الأمم والشعوب جهاد ، ومساعدة الفقراء والمسحوقين في كل مكان جهاد ،
ورفض العنف والإرهاب جهاد يتواءم مع الهوية التراثية لشعبنا في سورية ويجسد إيماناً
يقينياً تلتقي عليه كل الشرائع السماوية التي تتناول بالعدل والإنصاف قيمة التعامل
مع الانسان ، ويمكن البناء على هذه المثل لتجاوز منطق الأشرار الداعين لصراع بين
الحضارات .
2- أراد المخططون تدمير أقوى حضارة في الواقع الكوني وتحويلها إلى أنقاض ذاكرةٍ
يسهل دفنها في ظلام هذا التاريخ ، ويتوهم البعض بإمكانية كتابة نهاية التاريخ على
مستوى المنحرفين والمرضى النفسيين والمشعوذين الهاربين من ظلام العصور السحيقة
ليثبتوا للمصابين بعمى الفكر والبصيرة أنهم الأقوى وأنهم المحرك والموجه لكل ما هو
خير وشر في هذا العالم .
3- شاركت كل الأطراف الداخلية في تغييب الحكمة في التعامل مع الواقع العالمي الذي
أغرق الكثيرين في شبر من الماء الملوث . رغم أن مياهنا أطهر من عقول المتآمرين على
مصير وطننا فكيف استبدلنا الماء النقي الصافي الطاهر بمياه ملوثة تدمر العقل والفكر
والضمير .
4- المنتصر الحقيقي في نهاية الأحداث هو الوطن لا هذا الطرف أو ذاك وسيبقى الوطن هو
البوصلة والهدف والسر الذي لن يفهمه كل عباقرة العالم لأنهم لم يشربوا من مياه بردى
ولم يكونوا يوماً من حضارتنا وتاريخنا وعزتنا . وكل الخونة الذين تخلوا عن المبادئ
والقيم الانسانية مصيرهم كأشواك الأرض لا تلغي ربيعاً في توارث الأجيال قيم
الكبرياء والمحبة والجمال ، والكرامة لا تموت لأنها متأصلة مع ولادة الإنسان ولكن
البعض لازال مصراً على نحرها كل يوم .
5- أثبتت الأحداث الجارية في سورية وجود خلل وترهل كبير في بنية السلطة التنفيذية
على الصعيد السياسي والاقتصادي والأمني والإداري والقضائي والمالي والقانوني
والتشريعي .
6- أثبتت الظروف الداخلية حاجة سورية إلى عمليات اصلاح مستمرة لإعادة هيكلة
المؤسسات المختلفة لتكون في مستوى العلاقات مع البنية الشعبية لأبناء الوطن
وحاجاتها المتعددة ، ومع المجتمع الدولي بما يملك من منظومات متطورة تستوجب تنفيذ
الاتفاقيات الدولية وانسجام المجتمعات وفق آليات علاقات تتطلب نهوضاً شاملاً في كل
ألوان الحياة على مستوى المعمورة
7- أثبت الواقع المعاش تطوراً في مناخ الوعي بماهية الحقوق الفردية والعامة لدى
المجتمع السوري وتخلف السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية عن هذه الحقوق وضوابط
احترامها .
8- أثبتت الأحداث المأساوية وجود خلل خطير في أبجدية الانتماء الوطني عند بعض
الأطياف الاجتماعية ، وغياب مفاهيم الالتزام بالقوانين والتشريعات والدستور وضوابط
تطويرها أسوة بكل المجتمعات المتحضرة ونضالها السلمي مما أنتج انحرافاً باتجاه
ممارسة العنف بأشكاله الوحشية التي لا سابق لها في حياتنا الوطنية عبر التاريخ ،
وتتشارك كل الأطراف السياسية والاجتماعية في وجود هذه الظاهرة وخيانتها للمبادئ
والأعراف والقيم الوطنية والإنسانية والحضارية .
9- أثبتت الحقائق وجود خلل خطير في مناهج وسائل الاعلام الوطني السوري وعجزه عن
تمثل حاجات وحقوق المواطن مما زاد من فرص وسائل الاعلام المعادية لوحدة ومكانة
الوطن وللحوار والسلم الاجتماعي ، واستغلالها للفجوة التي اعترت العلاقات مع السلطة
التنفيذية , حيث سعت إلى تعميق الهوة بين مؤسسات الدولة والمجتمع ، وتخلت عن
رسالتها ومهنيتها ، وشكلت جسراً للمؤامرة الكونية على الدولة والشعب السوري
ومقدراته وتراثه وريادته للإنسانية عبر التاريخ .
10- أهدرت السلطة التنفيذية الكثير من الفرص لتطوير الحياة السياسية في سورية
والانسجام مع تطلعات الشعب السوري في حياة تنتج ديمقراطية وطنية نموذجية تتعالى
فيها عن المصالح الضيقة وتتواءم مع مقتضيات الانتماء الحضاري الذي تميزت به سورية
بتاريخها وموقعها ومكانتها عبر آلاف السنين .
11- أفضى الشلل السياسي للسلطة التشريعية إلى وجود طفيليات اقتصادية واجتماعية أرخت
لمرحلة خطيرة من ممارسة الفساد وحمايته دون تمكين المؤسسات المتخصصة من إمكانية
ممارسة دورها في الرقابة وتفعيل مبدأ المحاسبة ، وحال هذا الشلل . والعجز المبرمج ،
وتركيبة المجالس المستنسخة إلى تغييب حقوق المواطنين وأدى إلى تهجير الثقة بمؤسسات
الدولة وخاصة السيادية منها .
12- أثبت الواقع السياسي عجز الأحزاب السياسية عن تمثيل طموحات وتطلعات الشعب
السوري بشكل شامل وذلك بسبب فشل قياداتها وأهليتهم للعمل الحزبي والجماهيري
والنزعات الاستعلائية والتقوقع على قواعدهم التنظيمية وإقصائهم لمن يمارس انتقادهم
، وغياب الشفافية على سلوكياتهم ، وممارستهم للفساد المحمي بمحاباتهم للسلطة
التنفيذية ومناهجها حيث أصبح الناس يتندرون على مستوى الأحزاب وبرامجها الكرتونية
مما خلق نزوعاً عن ممارسة الحياة الحزبية وأدى إلى تعطيل جزء هام من الحياة
السياسية في سورية بما لها من تأثير على المشاركة في التوجهات والقرارات المصيرية
ونيل العدالة الاجتماعية والمساواة أمام القانون وحق التقاضي وصيانة نزاهته مما
يفترض أن تؤدي إلى منعة الوطن ورقي توجهاته في مناخ من الحرية المنضبطة وفق توازن
الحقوق والواجبات الوطنية والإنسانية.
13- أثبتت الأحداث المؤلمة أن الاستئثار بالسلطة على مختلف مستوياتها وممارسة آليات
متخلفة في عدالة فرص العمل وتحمل المسؤولية ، وآليات تعيين الكوادر المتخصصة
والمهنية التي أبدلت الشخص المناسب بغيره مما عطل قدرات الكثيرين عن ممارسة دورهم
وإبداعاتهم في عملية الانتاج الوطني وتحقيق التنمية المستدامة التي تعكس مقياس
التطور عند الأمم والشعوب .
14- أثبتت الأحداث أن تغييب ثقافة وطنية جامعة تعززمن قوة القانون وترفد المجتمع
بالطاقات العلمية المبدعة وتطوير مناهج التعليم التي تم إقصاء أجيال منها باتجاه
ممارسة سلطة فكرية تجاوزتها الامم الراقية بحرية الاختيار لا تربية الاجيال
وإخضاعهم لمبدأ عبادة الشخصية وهو مبدأ أدى إلى حرمان الوطن من طاقات عالمية يجسدها
مواطنون متفوقون لم تستوعبهم منظومة العلاقات المترنحة بين المواطن ومؤسسات الدولة
. هجرة هذه العقول حرصاً على حقوقها المهدورة أدت إلى نتائج خطيرة على مستقبل هذا
الوطن ، وكم من شعوب وأمم تطورت مكانتها العلمية والحضارية بفضل إبداعات السوريين .
يتبع .......
https://www.facebook.com/you.write.syrianews