من نتائج ما يسمى بالربيع العربي أنه جاء بالإخوان المسلمين الى سدة الحكم في مصر والتي طالما حلموا بها، فلم يمارسوا السلطة من قبل بسبب محاربتهم من قبل الأنظمة السابقة التي حكمت مصر، فأعتقدوا بإن السلطة التي وصلوا إليها خلال حكم مرسي ستبقى بأيديهم لفترة طويلة، وإنهم قادرين على أدلجة الدولة، ولكن سرعان ما لقي هذا الموضوع معارضة من قبل الكثير من الشعب المصري، وتناسى الإخوان بأن الصناديق التي أوصلتهم الى هذه السلطة من الممكن ان تزيحهم عنها، فضلاً عن إنه لم يتغير اي شيء خلال حكم الإخوان سواء بالنسبة للوضع الإقتصادي المتردي، أو السياسة الخارجية التي ابقت على العلاقات مع واشنطن على حالها كما كانت في عهد نظام حسني مبارك طمعاً في المساعدات الأميركية، كونها ترتبط بإحترام إتفاقيات السلام الموقعة مع إسرائيل.
أما اليوم فإن انتخاب رئيس جديد للبلاد يأتي على رأس أولويات خطط الدولة لتحقيق الإستقرار في مصر، لاسيما سيكون رمزاً لها، وعاملاً مهماً في تغيير وجهة نظر الغرب تجاه ما حصل في 3 تموز الماضي، من إنقلاب عسكري إلى ثورة شعبية، ووفقاً للدستور الجديد الذي تم إقراره مؤخراً في مصر بأغلبية ساحقة نحو %98، فإن المصريين سيحظون برئيس جمهورية خلال ستين يوماً من الآن على الأكثر، وهذا يعنى بإنهم يبحثون عن الأمان والاستقرار بعد فترات من التوتر والقلق حتى مهما حاول الذين يريدون عودة عقارب الساعة الى الوراء فإن الشعب المصري سيقاوم اي شخص يريد العودة بمصر إلى الخلف مرة أخرى ، وبالتالي فإن الشرط الأساسي لتحقيق هذا الأمان وذلك الاستقرار يتمثل في تحقيق مصالحة وطنية إجتماعية شاملة، تسمح لجميع أبناء الوطن بالإسهام في البناء والمشاركة في التعمير، بما يبني مؤسسات دولة القانون الديمقراطية المدنية الحديثة، ويحمي جميع حقوق المواطنة السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية والمدنية وغيرها، دون تمييز أو تهميش أو إقصاء أو إنتقاص.
وبموازاة ذلك يستعد المصريون للإنتخابات الرئاسية، بحالة من الترقب والأمل في مستقبل أفضل، ويتوجس الجميع في أن يكون الرئيس القادم غير مرض لآمالهم في تحقيق أهداف ثورة 25 يناير، وما قدمه الشعب لها من قرابين كانت كلها من دماء شباب الوطن، فإستشهدوا وهم يهتفون "عيش ..حرية …عدالة اجتماعية ".
وفي نفس السياق يجب على الرئيس القادم لإنقاذ مصر أن يطرح رؤيته الشاملة وبرنامجه المحدد للمستقبل، الذي لا ينبغي أن يقل عن وضع أساسات نظام جديد، يحقق غايات الثورة والتقدم الشامل، لإكتساب المناعة ضد المؤامرات الداخلية والخارجية، إنطلاقاً من إستيعاب شعارات الثورة المصرية، الديمقراطية الوطنية، في 25 يناير و30 يونيو، وأن يعلن رؤيته التي لا ينبغي أن تستهدف أقل من إقامة دولة المواطنة، بمعنى أن تكون مصر للمصريين، دولة ذات سيادة ومتقدمة ومستقلة ومتحررة من الإنكشاف والتخلف والتبعية، وإنقاذها وطناً ودولة وأمة وهوية، والتصدي لضغوط القوى الدولية والإقليمية، التي تستهدف تفكيك وتركيع مصر.
هناك حلقات من الأسئلة الدائرة في كل زاوية من زوايا مصر، وجدل واسع ضم كل الأطياف المصرية بكل ألوانها، وعلامة إستفهام وضعتها الدول الإقليمية والدولية: من هو الرجل الذي سيحكم مصر في الإنتخابات المقبلة، وهل يستطيع أن يستعيد أحلام القومية والكرامة العربية؟
ظهر هذا السؤال محيراً داخل مصر وخارجها، وكثر الجدال حول تسمية رئيس مصر المقبل، فمنهم من ردد أسماء المرشحين القدامى، ومنهم من وضع يده علي قلبه من تحذيرات بعودة مبارك وأعوانه، أما الفئة الأكثر تفاؤلاً فترشح الفريق أول عبد الفتاح السيسي، خاصة بعد كلمته الأخيرة، التي صرح بها عن موافقته لخوض غمار الإنتخابات الرئاسية بشرط موافقة الشعب والجيش، ويعتبر الكثيرون بإن إقرار الدستور بهذه النسبة الساحقة، يعبر عن تزايد مطالبة الشعب المصري بغالبيته العظمى لترشح الفريق السيسي في إنتخابات الرئاسة المصرية المقبلة ، ولا يخفى على أحد، مدى الشعبية التي يتمتع بها السيسي، لدى الشعب المصري عامة وتجلى ذلك بوضوح في التصويت على إستفتاء الدستور، حيث شهدت المدن والمحافظات المصرية مظاهر فرح عارمة وخرجت الجموع للتصويت وهي تحمل صور السيسي.
وفي سياق متصل يرى المهتمين بالقضايا الإقليمية والدولية أن الفريق عبد الفتاح السيسي قائد الجيش يغذى الحنين إلى القومية العربية التي يمثلها الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر، مؤكدين ذلك من خلال اللافتات والأعلام والملصقات التي تباع للسياح والمواطنين المصريين والمطبوع عليها صورتان، الأولى هو الرئيس المصري الراحل مثال القومية العربية " جمال عبد الناصر " أما الثانية فهي صورة رئيس أركان الجيش المصري والقائد الفعلي للسلطة منذ الإطاحة بحكم الإخوان(عبد الفتاح السيسي)، فضلاً عن النقاشات السياسية الحيوية والمتصاعدة في مقاهي القاهرة حول أوجه التشابه بين الرجلين "عبد الناصر والسيسي "، فالسيسي لديه الكثير من الرسائل المتطابقة مع "عبد الناصر " ومن أبرزها القومية العربية والكرامة العربية، فالعقل الغربي لم ينس تجربة الزعيم جمال عبد الناصر، فالتشابه بين الفريق أول عبد الفتاح السبسي وعبد الناصر يثير مخاوف الغرب، لأن لعبة الغرب الإسترتيجية في مصر تم تدميرها، وهنا يرى الكثير من المصريين في الفريق عبد الفتاح السيسي رمزاً للإستقرار المنشود، والقبضة القوية القادرة على انهاء حالة التخبط والعنف والفوضى التي تجتاح الشوارع المصرية، وإنه ليس هناك من بين مرشحي الرئاسة المحتملين، اي مرشح قادر على منافسة السيسي بشعبيته الكبيرة.
ونظراً أرى أن فرص فوز الفريق السيسي بهذه الانتخابات كبيرة، خاصة في ظل حالة التخبط التي تعيشها مصر خلال الأعوام الماضية، نتيجة الأزمة المالية الحادة وكذلك في ظل عدم وجود رمز سياسي حقيقي في الوقت الحالي في مصر، التي لا تزال تسكنها نعرة "الفرعون "، وما ما يجعل المصريين يتجهون لإختيار رجل قوي جديد يخرجها من الأزمة.
وبالتالي فإن إقرار الدستور في مصر يعد أولى خطوات الإستقرار، لإستكمال مؤسسات الدولة المنتخبة من إختيار الشعب رئيسه ونوابه في البرلمان القادم حتى تعود مصر إلى مسارها الطبيعي ويعود الإستقرار والرخاء والأمن إلى الشارع المصري، ولقد جاء الإستفتاء على الدستور ليبعث الروح في الجسد المصري المترهل بحكم حالة الرقاد الطويل الذي عاشته مصر خلال الفترة الماضية ليمثل فرصة لا بد من إقتناصها لإعادة بناء الدولة المصرية على كافة الأصعدة، لاسيما الخارجي منه.
فمصر الحضارية اليوم مطالبة أكثر من أي وقت مضى، بأن تفّعل أدواتها الثقافية، لتصبح الثقافة أداة وهدفاً في الوقت ذاته، فهي أداة فاعلة لإضطلاع مصر بدورها القيادي في محيطها الإقليمي من ناحية، كما إنها هدف في حد ذاته لمواجهة طوفان الحروب الثقافية المضادة، التي أضحت معها ثقافتنا وهويتنا، مهددة من الآخر، الإسرائيلي، والغربي وعلى وجه الخصوص الأمريكي.
وأخيراً أختم مقالتي بالقول إن إجراء الإنتخابات الرئاسية أولاً، وتنصيب رئيس مصري منتخب شعبياً سوف يحقق لمصر المزيد من الإستقرار ويساهم في دحض نظرية الإنقلاب العسكري التي تتبناها بعض الدول الغربية، ويعيد دوران عجلة التنمية ويغير نظرة الغرب للتغيير السياسي، الذي حصل في مصر عقب ثورة 30 يونيو، كما لا بد من إستعادة مصر لمكانتها الطبيعية في محيطها العربي كشقيقة كبرى لها ريادتها الفكرية والثقافية والمجتمعية والعمل على تعميق العلاقات مع شقيقاتها في كافة المجالات بشكل يسهم في مساعدة مصر في تجاوز التحديات المرتبطة بعملية التحول الديمقراطي.
https://www.facebook.com/you.write.syrianews